الثلاثاء، 29 يونيو 2010

مقالاتُ حارسِ التراث أبي فِهْر محمود محمد شاكر

تلك هي دراسةٌ أعدها الأستاذ (إبراهيم بن محمد أبا نمي)، نال بها إجازةَ التخصص الأولى (الماجستير) في الأدب العربي بتقدير ممتاز، تناول فيها بالتحليلِ الأسبابَ والدواعيَ التي بعثت أبا فِهْر للكتابة، والمنهجيةَ التي سلكها، والأسلوب الذي استخدمه في كتابة المقال.

اشتملت الدراسةُ على ثلاثة فصول:
ففي الفصل الأول: تناولَ مضمونَ المقالات، وبعد تَقَصٍّ وتمحيص صنَّفَها إلى:

(أ) مقالات نقدية:
وذكر أن أبا فهر كتب بعض المقالات التي انتقد فيها الشعرَ والشعراء، وهي ضمن سلسلة مقالاته (نمط صعب ونمط مخيف)، وذكر أن دراساته في هذا المجال -مع قلتها- تُعَدُّ أصيلة، غير متكئة على جهود المستشرقين، وتأتي آراؤه فيها مجردة من العاطفة والمجاملة.

كما تعرَّض لبعض الألفاظ والتراكيب، وناقشها مناقشة علمية مجردة، فجاءت مقالاتُه -في هذا الضرب- بلغة علمية لا تنزع للفن؛ لأن قصده فيها الكشف والبيان العلمي.

كذلك تعرض لنقد الكتب والآراء..

ثم تعرض -أيضاً- لنقد النقد، فعارض -بذلك- بعضَ آراء النقاد في نقدهم لبعض الأعمال.

كما تناول بعضَ القضايا النقدية؛ مثل: الوضوح والغموض، والرمز، وشعر التفعيلة، والشعر المنثور، وكان في كل ذلك مرتكِزاً على غَيرته على العرب والعربية، مستوحياً أفكارَه النقدية من عقيدته، متوجِّساً أن يُوصَف بالتعالم، فجاءت مقالاته محكمة دقيقة رصينة.

وكتب بعض المقالات النقدية في الصراعات الفكرية، ولم ينطلق في صراعاته تلك من مبدأ الخصومة الشخصية، والفجور فيها؛ فتجده، مع شدة خصومته لأستاذه (طه حسين)؛ يذكر أفضاله عليه، قبل الصراع معه وبعده، وقد بلغ من حدة هذا الصراع أن ترك ابن شاكر الجامعة بالمرة؛ لمّا رأى طه قد حمل رأي المستشرق (مرجليوث) القائل بأن الشعر الجاهلي منحول على عرب الجاهلية بعد الإسلام، وادَّعاه لنفسه، ولم يشأ أن يذكر (مرجليوث) أبداً! بيد أن هذا الرأي الذي انتحله (طه حسين) قد أثَّر في تفكير شاكر، وجرّه لمحنة وصراع فكري مع نفسه، حتى كاد يهلِك، وذلك لربطه بين الشعر العربي الجاهلي والإعجاز اللغوي في القرآن الكريم. ومع ذلك يبرِّئ (طه حسين) مما وقع فيه من محنة، ويعلن أن ذلك كان نتيجة تفكير شخصي.

أما صراعه مع (لويس عوض) فيتمثل في التباين الفكري والسياسي بينه وبين خصمه، وقد كشف أبو فهر تطاولَه على الأمة بأسرها، وتآمرَه ضد العربية والإسلام، وتحقيرَه للتراث العربي، ومن هنا كانت (أباطيل وأسمار).

(ب) مقالات سياسية:
وتناول فيها قضايا الوحدة بين مصر والسودان، التي كانت من أكبر همومه السياسية..

كذلك تناول قضية فلسطين، وكتب في قضية فِلَسطين بمنتهى الصراحة..

كما تناول الانتماء للوطن العربي، وكان قد أمَّلَ خيراً في الجامعة العربية، واقترح سبلاً لتطويرها؛ لتقوم بدورها في جمع الصف، وتوعية أبناء الأمة بما يحيق بهم من أطماع المستعمرين.

(ج) مقالات اجتماعية:
تناول فيها الطرق المثلى في تنشئة الأطفال، وتكوين فكرهم، ورعايتهم حتى يتجاوزوا سن الطفولة، وتحصينهم في مرحلة الشباب وما بعده.

كذلك تناول -في مقالاته هذه- قضية الرجل والمرأة، والجهود المُتَسَتِّرة في محاولات تحرير المرأة، وانبرى لدحض الشبهات التي أثيرت في هذا الشأن.

كما تناول -أيضاً- قضية الغنى والفقر، والترفَ وأثره السيئ.

كذلك تناول قضايا التعليم، والصِّحة، والأعياد، وتقليدَ القوي ومحاكاته، واجتهد -بذلك- لتحقيق العدالة الاجتماعية.

(د) مقالات أخرى:
وتمثلت في المقالات الدينية، والأدبية، والتاريخية، والنهضة الحضارية.

وفي الفصل الثاني: تناول الكاتب منهجية بناء المقالة، وصُورَها عند أبي فهر، فذكر أن أبا فهر قد بلغ الذِّرْوةَ في إحكام بناء المقالة، وحسن تقسيمها؛ من حيث العُنوان، والمقدِّمة، والمتن، والخاتمة، ومع أنه لا يلتزم بشكلية هذا البناء دائماً؛ إلا أن ذلك يُرى بوضوح في كتاباته.

وتناول في هذا الفصل -أيضاً- تداخل المقالة مع الأجناس الأخرى، كالقصة، والرسالة، والشعر، والخاطِرة، والسيرة، والخُطبة.

كذلك تناول الصورة التي تعكسها المقالة، ومن هذه الصور ما هو مجازي، ومنها ما هو حقيقي، ومنها ما هو تجديدي، ومنها ما هو تقليدي.

وفي الفصل الثالث: تناولَ اللغةَ التي تميز بها أسلوبُ أبي فهر، فتناول اللفظة، من حيث الغرابة، والإلف، والدقة، والجزالة، والرقة.

كما تناول الجملة، من حيث الخبر والإنشاء، والطول والقصر.

وتعرض -كذلك- لاستعماله لأدوات الربط، وأثرها في جَودة البيان وبلاغته.

ثم تعرَّض الكاتب للظواهر الأسلوبية عند أبي فهر؛ مثل استخدامه للتكرير، والتعظيم، وأسلوب السخرية، واستخدامه للجمل المعترضة، والجمل الشعبية، وتوظيفه للاشتقاق، وإتيانه بمشتقات غير مسبوقة، وكذلك استخدامه للألفاظ المهجورة، واستفادته من النصوص العذبة الرصينة.

والكاتب -مع صغر سنه النسبي- قد أجاد في الكتابة عن العلامة الفذِّ أبي فهر، فكان كتابه جديراً بالقراءة والاقتناء.

والله الموفق.
 
المصدر: شبكة الألوكة
  بتاريخ : 31/7/2007 ميلادي - 16/7/1428 هجري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق