الثلاثاء، 29 يونيو 2010

فارس التراث .. العلامة الشيخ محمود محمد شاكر - رحمه الله -

شعر: عبده علي الغيفي

 لأمرك يا ربُّ تعنو المقلْ
وينزاح عنها الغشا والخطل(*)

وترضى لحكمك مهما جرى
فأنت الحكيم العظيم الأجلّ

نحاذر أمراً - وقد سبقت
إليه المقادير - حتى وصل

هو الموت نخشاه لكنه
قضاء أتى لاكتمال العمل

يسوق العبيدَ لخالقهم
وينقلهم من ديار العمل

تخطف من بيننا «فارساً»
له في النفوس مقام أجلّ

«أبا فهرَ» حارسَ كنز التراث
وسالك طُرْق الهداة الأُوَل

لقد كان فينا مهيب الجناح
شعاعاً من الفكر أنّى رحل

وسيفاً على مُعنِقات الخنا
يعالج فيها الوبا والعِلل

فقوّم منها عويج الخُطا
وكسّر منها غويّ الأسل

ومن جُعبة المجد سل السهام
«بقوس العذار»(1) رمى وانتصل

وفوق ُربى النيل غنّى لنا
فأطرب منا الحشا والمقل

لك الله - «محمودُ» من والد
رؤوف سكبتَ العنا والوجل

دفعتَ عن الحق رجمَ الهوى
يلذ لك الدفع رغم الكهَل

وتخشى على أفرخ غضة
يطاولها المكر أنّى نزل

تفانيت تبني لها أعمداً
توطّد فيها رشيد السبُل

وصُغت من الحرف قصة حب
لوحي الإله ونهج الرسل

وكنت على حدقات العيون
تعانق فينا شذىً لم يزل

رأيناك تدحر جيش الضلال
وتفضح زيف الغوى والجهل

فذاق (التفرنجُ) طعم الرّدى
وبارزْته بالهدى فانجفل

دفعت عن الحق كل سفيه
يناطح بالوهم صدق الأزل

ويحبك بالجهل خيط المراء
ليشنق فيه شموخ الجبل

مضيت تعفّر وجه الهوان
وتبعث بالجد عزم الأوَل

وترسم للسائرين الخطا
على شِرْعة لا تهاب الأذلّ

رأيتك في سامقات العلا
وحيداً تنافح كيد الخطل

وكنت تخوض الغمار وفي
مراد الليوث كؤود السُّبُل

تؤمّل في ومضات البروق
وهزم الرعود هطول الأمل

وتكتب للجيل معنى المضاء
وكيف يكون إذا ما انهمل

شغوف بخد المعالي وما
سَتَرْنَ عن العين حُورَ الجُمَل

فصغت الجمال على أحرف
وقد يعشق الحرفَ طرفُ المُدلّ

وألبستها من كريم الخصال
ومن أغنيات الهوى والغزل

وبلّلت في أكبد الظامئين
ربى الجدب حتى طواها الخمَل

كأن يراعك فوق السطور
ترفّقُ آس يزيح الكلل

وسرت توطّن نفس الهوى
بمحراب عزمك كالمبتهِل

فكنت بطهر التُّقى معْلماً
ومضرب قول بشرع المثل

مضيت وللجرح فينا نزيف
ورثناه بعدك لم يندمل

سنذكرك الدهرَ ما صدّحت
بلابل شدْوٍ تغنّي الأمل

ونذكر صوت الإباء العنيف
حداءً يهاتف فينا العمل

يروح ويغدو على أرضنا
أناس وتعفو رياحٌ وطلّ

ويبقى ذوو الشأن أنجم هدْي
بذاكرةالمجد كالمنتهل

ألا إن مرتحل الشامخين
على النفس صعبٌ وخطبٌ جلل

وإن كان حزن المداد شفى
وردّد بالدمع نبض المقل

فإن بكاء القلوب له
على صفحة الدهر معنى أجلّ

إذا غاب عنّا الشموخ المضيء
وبدّلنا الحزنُ دمع الثَّكل

فما غاب نهج مضى خلفه
تعطر منه ونال الكَحَل

وضمخ في المجد تذكاره
فكان شهيداً له في الأزل

وإن ودّع الطرف إلماحه
ففي ساكنات الصدور نزل

فرحمة ربّي ورضوانُه
رفيقاه في مرقد المنتقل

وجنة خلد وتيجانها
مآل - ويا رب - زده الجذل

سلام عليه - بمحيا الكرام
وموت الكرامة - رمز الأول
---------------------
(1) «القوس العذراء» قصيدة مطوّلة للشيخ محمود - رحمه الله-
(*) ملاحظة: نظمت قصيدتي هذه على نفس البحر والقافية التي اختارها الشيخ محمود شاكر رحمه الله لقصيدته (القوس العذراء).

نشر في مجلة (الأدب الإسلامي ) عدد (29)بتاريخ (1422هـ)
المصدر: موقع باب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق